واقع ممارسة مديري المدارس للمُساءَلَة التربوية للمعلمين دراسة لآراء معلمي المرحلة الابتدائية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

يعاني التعليم المصري بصفة عامة، والتعليم الابتدائي بصفة خاصة من بعض المشکلات والتي تتمثل في: ضعف التحصيل الدراسي للتلاميذ، وارتفاع أعباء التعليم على کاهل الأسر المصرية نتيجة لتفشي الدروس الخصوصية، واتخاذ قرارات تعليمية غير مدروسة دون مراعاة للواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وغياب الشفافية في التصريحات الخاصة بالتعليم ونتائج التلاميذ، وانتشار الغش في الامتحانات، وغياب الانضباط في العملية التعليمية، وتفشي العنف في المدارس، وغياب الدور الحقيقي للجان المتابعة على مستوى وزارة التربية والتعليم والمديريات والإدارات التعليمية وانحصاره في مجرد رصد للسلبيات وعدم وضع حلول جذرية لتلک المشکلات مما أدى إلى تفاقمها بمرور السنوات.... الخ من المشکلات.
وقد أشارت الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي في مصر2014-2030                   (وزارة التربية والتعليم2014،52-53) إلى أبرز مشکلات التعليم الابتدائي والتي تتمثل فيما يلي:

تدنى جودة نوعية التعليم في المرحلة الابتدائية، وغياب التوظيف الأمثل لتکنولوجيا التعليم .
ضعف المهارات الأساسية(القراءة والکتابة والحساب والاتصال( في الصفوف الثلاثة الأولى.
غياب الأنشطة المدرسية وکيفية تفعيلها کجزء ضروري لاستکمال عمليات التعليم والتعلم.
القصور في کل من: الأداء المدرسي، والانضباط والانتظام في المدارس.
غياب المُحاسَبيّة والشفافية في النظام التعليمي.
انخفاض جاذبية المدرسة مما يؤدي إلى تسرب التلاميذ منها.

وإذا کانت المدارس الابتدائية تعاني من بعض السلبيات التي تعوقها عن تحقيق أهدافها التي رسمها لها المجتمع على النحو المطلوب، فإن التصدي لها وعلاجها يحتمها المنطق العلمي، لذا يُمکن الاعتماد على المُساءَلَة والتي تزايد الاهتمام بتطبيقها في المؤسسات التعليمية في أواخر القرن العشرين من أجل تحسين جودة التعليم ورفع مستواه ؛ باعتبارها من أنسب الطرق وأکثرها نجاحًا لتحسين مستوى الأداء العام لمؤسسات التعليم بصفة مستمرة، والکشف عن نقاط الضعف في أداء الأفراد، والمعوقات التي تحول دون تحقيق الأهداف، وعلاج السلبيات أو تلافيها.
وتُعتبر المُساءَلَة وسيلة لمتابعة المرؤوسين، ومدخل لمراقبة الأداء- من خلال وجود معايير محددة لقياس الأداء الفعلي وتصحيح الانحراف وعلاجه- داخل المؤسسة التعليمية للتأکد من أن القرارات والأنشطة المختلفة داخل المؤسسة تتوافق من النتائج المرغوبة، وتکوين أفکار عن کيفية الأداء الأنسب، کما أنّها تلقي الضوء على أي خلل تعاني منه المؤسسة التعليمية، وتعزز من قوة القيادة فيها، وتعمل على تفعيل مسؤولية الأفراد العاملين فيها عبر تعاملها بشفافية مع کافة مکونات المؤسسة التعليمية (عالية أخوارشيدة2004،36) ،
 (ماهر محمد، 2009، 60-61).
کما تتضمن المُساءَلَة متابعة الأهداف التربوية، والمناهج الدراسية، وتقييم أساليب التدريس، ودراسة أساليب التقييم المعتمدة في قياس أداء الطلبة، وإيجاد العلاقة بين أداء الطلبة والجهود التي تبذلها المدرسة في رفع مستوى الأداء لديهم، وکل هذا يتطلب جهة مسئولة واعية ومدرکة لهذا المفهوم في المدارس، وبالذات مديري المدارس (محمد العنزي2011،3).
وقد أکدت التشريعات والوثائق والتقارير الرسمية على ضرورة الأخذ بنظام المُساءَلَة والمُحاسَبيّة المدرسية عامة والخارجية منها خاصة ؛ وذلک تحقيقاً لأهداف النظام التعليمي داخل المجتمع، ومن أهم هذه التشريعات: القرار الوزارى رقم(123) لعام2001 بشأن استحداث          (الإدارة المرکزية لشئون المتابعة)، ثم عُدل المُسمى ليصبح(الإدارة المرکزية لشئون جهاز التفتيش) بموجب القرار(264) لعام2001، ثم(مکتب المتابعة التابع لمعالى الدکتور الوزير) بالقرار(280) لعام2007، ليُصبح (الإدارة العامة للمتابعة) بالقرار(129) لعام2014، ثم عُدل مرة أخرى بالقرار(139) لعام2015 إلى(الإدارة المرکزية للمتابعة وتقويم الأداء) وهو المُسمى القائم حتى الآن والتي من خلالها تم إنشاء مکاتب للمتابعة والتفتيش بالمديريات والإدارات التعليمية ينبثق منها لجان متابعة ميدانية تعمل على متابعة وتقييم ومُحَاسبة المدارس.
بالاضافة إلى إصدار العديد من الوثائق، أهمها: (وثيقة معايير ضمان الجودة والاعتماد للتعليم قبل الجامعي2010/2011) والتي تضمّنت في مجالها الخامس معايير ومؤشرات تؤکد الجودة والمُساءَلَة في التعليم بما يحقق وضع قواعد محددة وموضوعية ومُعلنة للمُساءَلَة والمُحاسَبيّة تُلائم کافة أشکال الأداء بالمؤسسة التعليمية (القيادة والمعلمين والإداريين والمتعلمين) وتُطبق على جميع العاملين بموضوعية وشفافية مع إعلان نتائج تطبيق تلک القواعد على مجلس الأمناء والعمل على تطويرها(الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد،2011، 56-57).
کما مثلت المُساءَلَة في الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي2014-2030              (وزارة التربية والتعليم،2014) هدفًا استراتيجيًا أساسيًا، وهدفًا تنفيذيًا أساسيًا لمعظم البرامج الرئيسية اللازمة لتحقيق الخطة الاستراتيجية لإصلاح التعليم قبل الجامعي في مصر کما يلي:
جاء ضمن الأهداف الاستراتيجية " لبرنامجتطوير البنية المؤسسية لمنظومة التعليم قبل الجامعي" ضرورة تأسيس تلک المنظومة على المُساءَلَة والمُحاسَبيّة الرأسية والأفقية لضمان الکفاءة في استغلال الموارد والفعالية في تحقيق النتائج (وزارة التربية والتعليم2014،90-91).
وتضمنت الأهداف التنفيذية "لبرنامج التنمية المهنية وإدارة الموارد البشرية" ضرورة وضع آلية للتقويم النتظم لکفاءة وعوائد التدريب على المستويات کافة مع إعداد وتفعيل آليات المُساءَلَة والمُحاسَبيّة الرأسية والأفقية تقوم على نواتج التعلم ومعايير جودة أداء النظام وذلک لتحقيق أداء منضبط للعاملين بمنظومة التعليم (وزارة التربية والتعليم2014،96-97).
کما تضمنت الأهداف الاستراتيجية " لبرنامج الإصلاح المُتمرکز حول المدرسة " ضرورة دعم قدرات المؤسسات التعليمية على الإدارة الذاتية والشفافية والمُحاسَبيّة في إطار مرکزي/لامرکزي متوازن، کما جاء ضمن الأهداف التنفيذية ضرورة استحداث آليات للتقويم والمتابعة، وما يرتبط بها من آليات المُساءَلَة والمُحاسَبيّة الرأسية والأفقية ونظام التحفيز استنادًا على تقييم الأداء ونواتج التعلم (وزارة التربية والتعليم2014،102-103).
وجاء في بطاقة التوصيف الوظيفي لمدير المدرسة أن من واجباته ومسئولياته القيام بمهام القيادة التعليمية، والإدارة المدرسية مستندًا إلى المعايير القومية، ومسترشدًا بمبادئ اللامرکزية، والإصلاح المتمرکز حول المدرسة والتي من بينها: تطبيق الحوکمة الرشيدة، ومبادئ المُساءَلَة والمُحاسَبيّة، وقواعد الاستخدام الرشيد لموارد المدرسة(وزارة التربية والتعليم،2016).
ويُشير الأدب التربوي إلى أن المُساءَلَة ليست عملية عشوائية، ولا مزاجية، ولا ردود أفعال لأخطاء بل يجب أن تتضمن مُساءَلَة لکل من: الإدارة التعليمية، ومديري المدارس، والمعلمين، والطلاب، ومجالس الأمناء والمعلمين، وبطريقة مخططة وهادفة، وأن المُساءَلَة في المدارس على درجة کبرى من الأهمية؛ لأن المدارس تمثل الحلقة التنفيذية للإدارة التربوية.
ويُشير)جهاد سلامه،2013،5) إلى أهمية دور المدرسة في المُساءَلَة باعتبارها الحلقة التنفيذية في الميدان الحقيقي للنظام التربوي، وما يُمثله مدير المدرسة کقائد تربوي يُخطط ويُنظم ويُنسق ويُوجه ويُتابع ويَسأل ويُقوم، ويسعى لتطوير مدرسته وتحسين المستوى التحصيلي لطلابه، والارتقاء برفع کفايات العاملين وتحسين أداء المعلمين في مجالات التخطيط وإدارة الصف والتقويم بأنواعه والانضباط الوظيفي؛ لتصبح مؤسسة رائدة في المجتمع.
 وتتمثل أهمية ممارسة مـدير المدرسة للمُساءَلَة في إدارته للنظام المدرسي بوصفه مسئولًا وقائدًا وقدوة حسنة للعاملين بالمدرسة من ناحية، والنشء الصغير المسئول عنهم من ناحية أخرى، وانطلاقًا من ذلک تقع على عاتقه مُساءَلَة معلميه وطلابه، وتتحدد ممارسة المدير للمُساءَلَة وفقًا لمسئولياته المتعددة في الجوانب الإدارية والجوانب المهنية (بسام أبو حشيش،2010،607).
ويُشير(Akporehe,2011,P:119) إلى أن المُساءَلَة التربوية بوصفها عملية إدارية هي وظيفة أساسية لمدير المدرسة باعتباره المُمَثل الرئيسي في عمليات الإدارة تتطلب منه أن يکون قائد فعال قادر على تحفيز المرءوسين على تحقيق أهداف المدرسة، وتحليل وتقييم وتفسير الأداء ونقل النتائج إلى المرءوسين والمستفيدين.
وتدل الشواهد الميدانية التي خلُصت إليها الباحثة من خلال الإشراف على طلاب وطالبات کلية التربية النوعية بالمدارس المختلفة التي تُطبق فيها التربية الميدانية، على وجود نوع من القصور في تطبيق مديري المدارس الابتدائية الحکومية للمُساءَلَة التربوية للمعلمين، بالإضافة إلى ترکيز المُساءَلَة على الجوانب المتعلقة بالانضباط الوظيفي فقط.
وللتأکد من ذلک تم إجراء مقابلة شخصية([1])  مع عينة قوامها(32) مدير ومديرة مدرسة ابتدائية حکومية باربع إدارات التعليمية (في: منوف، وشبين الکوم، وأشمون، والسادات) تم سؤالهم عن أکثر ألوان القصور التي يرتکبها المعلمون والتي تتطلب مُساءلتهم، أجابوا بأنهم يقومون بالمُساءَلَة عند حدوث المخالفات التالية: تأخر المعلم عن الدوام الرسمي للعمل بنسبة(100%)، وخروج المعلم من الفصل قبل انتهاء وقت الحصة بنسبة(96.8%)، وتأخر المعلم عن دخول الحصص في الوقت المحدد بنسبة(93.7%)، ورفض دخول الحصص الاحتياطي بنسبة(87.5%)، ومغادرة المدرسة دون الحصول على أذن مُسبق من مدير المدرسة بنسبة(87.5%)، وعدم اهتمام المعلم بالتحضير الکتابي اليومي بنسبة(84.37%)، ورفض المشارکة في الأعمال الإشرافية بالمدرسة بنسبة(81.25%)، وعدم قيام المعلم بإعداد السجلات الخاصة به بنسبة(78.12%)، وإجبار التلاميذ على أخذ دروس خصوصية بنسبة(68.75%)، وعدم التزام المعلم بإنهاء المقرر الدراسي في الوقت المحدد بنسبة(65.62%)، واستغلال الوظيفة لتحقيق مکاسب شخصية بنسبة(65.62%)، وصياغة نواتج التعلم المستهدفة بشکل غير قابل للقياس بمستويات مختلفة بنسبة(37.5%)، وعدم مراعاة تکامل مستويات نواتج التعلم المستهدفة بنسبة(28.12%)، وعدم التزام المعلم بتصحيح واجبات الطلاب اليومية بنسبة(25%)، (وأخيرًا) عدم اهتمام المعلم بالتلاميذ الضعاف دراسيًا بنسبة (18.75%).
ويتضح من نتيجة المقابلة الشخصية ترکيز المُساءَلَة على الجوانب المتعلقة بالانضباط الوظيفي،(يليها) أخلاقيات المهنة، (وأخيرًا) الأداء التدريسي للمعلم، مما يدلل على قصور في فهم المديرين للمهام المطلوب أداؤها من المعلمين حيث يرى معظم أفراد عينة المديرين أن متابعة الأداء التدريسي للمعلم من مهام الموجهين فقط.
وعليه فقد تم خلال نفس المقابلة الشخصية سؤال عينة المديرين عن: معوقات تطبيقهم للمُساءَلَة الفاعلة تجاه المعلمين؟. جاءت المعوقات مُرتبة حسب نسب تحققها من وجهة نظرهم کما يلي: کثرة المهام المُلقاة على عاتق المدير، ومحدودية الوقت لديه بنسبة(93.75%)، وعدم وعي المعلمين بالتوصيف الوظيفي للأدوار والمسئوليات المنوطة بهم بنسبة(87.5%)، والخوف من التسبب في فصل المعلم أو التأثير على مستقبله الوظيفي بنسبة(84.37%)، والخشية من تقديم الشکاوى الکيدية بنسبة(84.37%)، وکثرة النشرات والتعليمات الواردة من الوزارة والمديرية والإدارة التعليمية بنسبة(81.25%)، والنقص في بعض تخصصات المعلمين بالمدارس بنسبة(81.25%)، وافتقار برامج التدريب إلى أنشطة تعميم ثقافة المُساءَلَة ومتطلباتها وفوائدها بنسبة(78.125%)، واعتداد بعض المعلمين بأنفسهم لکبر سنهم بنسبة(71.87%)، وصعوبة الإجراءات الإدارية والروتينية التي تتبعها الإدارة التعليمية في تنفيذ المُساءَلَة مما يدفع مديرو المدارس للعزوف عن رفعها للإدارة التعليمية بنسبة(65.62%).
وبتوجيه نفس السؤال المتعلق بمعوقات تطبيق المُساءَلَة تجاه المعلمين؟ إلى عينة قوامها(100) معلم/معلمة بالمدارس الابتدائية الحکومية بمحافظة المنوفية من خلال استبانة استطلاعية([2])، جاءت المعوقات مرتبة حسب نسبتحققها من وجهة نظرهم کما يلي:
تنفيذ مدير المدرسة للمُساءَلَة بشکل انتقائي بنسبة(92%)، وترکيز المدير على تصيد الأخطاء بنسبة(88%)، والاهتمام بالشکل على حساب المضمون بنسبة(87%)، وعدم ممارسة المدير للمُساءَلَة في الوقت المناسب بنسبة(83%)، وعدم وضوح مهام المعلمين بنسبة(81%)، وعدم تنفيذ القرارات التي تتخذ بحق المعلم بنسبة(79%)، والخشية من تقديم الشکاوى الکيدية بنسبة(78%)، وعدم جدوى المُساءَلَة في النظام المدرسي بنسبة(76%)، وعدم وجود رادع للمعلمين المقصرين بنسبة(75%)، (يليه) عدم مُحاسبة المعلمين المُقصرين بنسبة(72%).
وإذا کانت المُساءَلَة التربوية قد أضحت مجالاً معرفيًا مطروقًا باعتبارها مدخلاً لاهتمامات متعددة في الإدارة التعليمية، ونظرًا لأهمية دور مدير المدرسة في مراحل التعليم المختلفة في تطبيق المُساءَلَة التربوية للمعلمين، فقد ارتأت الباحثة ضرورة الوقوف على واقع ممارسات مديري المدارس الابتدائية الحکومية للمُساءَلَة التربوية للمعلمين، ومن ثم الانطلاق إلى تجويد وتطوير هذا الواقع، وهو ما يسعى إليه البحث الحالي.



[1] - ملحق البحث رقم (1)


[2]- ملحق البحث رقم (2)